فصل: ثم دخلت سنة اثنتين وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثـم دخلـت سنـه ثمان وتسعين وخمسمائة

في هذه السنة بعد رحيل الملك الأفضل والظاهر عن دمشق كما ذكرنا قدم إليها الملك العـادل وكـان قـد سـار ميمـون القصـري مـع الملـك الظاهـر فأقطعه إعزاز‏.‏

وفيها خرب الملك الظاهر قلعة منبج خوفاً من انتزاعها منه وأقطع منبج بعد ذلك عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن أحمد المشطوب‏.‏

وفيهـا أرسـل قراقـوش نائـب عبـد الملـك بن محمد بن عبد الملك بن مقدم بفامية إلى الملك الظاهر

يبـذل لـه تسليم فامية بشرط أن يعطي شمس الدين عبد الملك بن المقدم إقطاعاً يرضاه فأقطعه الملك الظاهر الراوندان وكفر طاب ومفردة المعرة وهو عشرون ضيعـة معينـة مـن بلـاد المعـرة وتسلم فامية ثم إن عبد الملك بن المقدم عصى بالراوندان فسار إليه الملك الظاهر واستنزله منها‏.‏

وأبعده فلحق ابن المقدم بالملك العادل فأحسن إليه‏.‏

وفيها سـار الملـك العـادل مـن دمشـق ووصـل إلـى حمـاة ونـزل علـى تـل صفـرون وقـام الملـك المنصور صاحب حماة بجميع وظائفه وكلفه وبلغ الظاهر صاحب حلب وصول عمه العادل إلى حماة بنية قصده ومحاصرته بحلب فاستعد للحصار بحلب وراسل عمه ولاطفه وأهدى إليه ووقعت بينهما مراسلات ورقع الصلح وانتزعت منه مفـردة المعـرة واستقـرت للمللـث المنصـور صاحب حماة وأخذت من الملك الظاهر أيضاً قلعة نجم وسلمت إلى الملك الأفضل وكانت له سروج وسميساط وسلم الملك العادل حران وما معها لولده الملك الأشرف مظفر الدين موسى وسيـره إلـى الشـرق وكـان بميافارقيـن الملـك الأوحـد بن الملك العادل وبقلعة جعبر الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه بن الملك العادل ولما استقر الصلح بين الملك العادل والظاهر رجع الملك العادل إلى دمشق وأقام بها وقد انتظمت المماليك الشامية والشرقية والديار المصرية كلها في سلك ملكه وخطب له على منابرها وضربت السكة فيها باسمه‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ في هذه السنة عاد خوارزم شاه محمد بن تكش واسترجع البلاد التي أخذها الغورية من خراسان إلى ملكه‏.‏

وفيهـا توفـي هبـة اللـه بـن علي بن مسعود بن ثابت المنستيري - بضم الميم وفتح النون وسكون السين المهملة وكسر التاء المثناة من فوقها وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء ومنستير بليـدة بإفريقيـة‏.‏

وكـان هبـة اللـه المذكـور عالـي الإسنـاد ولـم يكـن فـي عصـره مـن هـو فـي درجته سمع إبراهيـم بـن حاتـم الأسـدي وسمع جماعة من الأكابر وسمع الناس على هبة الله المذكور وسافروا إليه من البلاد لعلو إسناده وكان جده مسعود قد قدم من منستير إلى بوصير فعرف هبة الله المذكور بالبوصيري وكانت ولادته سنة ست وخمسمائة‏.‏

  ثم دخلت سنة تسـع وتسعيـن وخمسمائـة

والملـك العـادل مقيـم بدمشـق‏.‏

وفيهـا في المحرم توفي فلك الدين سلطان أخو الملك العادل لأمه وهو الذي تنسب إليه المدرسة الفلكية بدمشق‏.‏

ذكر الحوادث باليمن‏:‏ كـان قـد تملـك اليمـن الملـك المعـز إسماعيـل بن سيف الإسلام بن طغتكين بن أيوب وكان فيه هوج وخبط فادعى أنه قرشي وأنـه مـن بنـي أميـة ولبـس الخضـرة وخطـب بنفسـه ولبـس ثيـاب الخلافـة فـي ذلـك الزمـان وكان طول الكم نحو عشرين شبراً وخرج عن طاعته جماعة من مماليك أبيه واقتتلوا معه وانتصر عليهم ثم اتفق معهم جماعة من الأمراء الأكراد وقتلوا المعز إسماعيل وأقاموا في مملكة اليمن أخاً له صغيراً وسموه الناصر وبقي مدة وأقام بأتابكيته مملوك والده وهو سيف الدين سنقر ثم مات سنقر بعد أربع سنين وتزوج أم الناصر أمير من أمراء الدولة يقـال لـه غـازي بـن جبرئـل وقام بأتابكية الناصر ثم سمّ الناصر في كوز فقاع على ما قيل وبقي غازي متملكاً للبلاد ثم قتله جماعة من العرب بسبب قتله للناصر بن طغتكين وبقيت اليمن خاليه بغير سلطان فتغلبت أم الناصر المذكور على زبيـد وأحـرزت عندهـا الأمـوال وكانـت تنتظـر وصـول أحـد مـن بني أيوب لتتزوج به وتملكه البلاد وكان للملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ولد اسمه سعد الدين شاهنشاه وكان له ابن اسمه سليمان فخرج سليمان بـن شاهنشاه بن عمر فقيراً يحمل الركوة على كتفه ويتنقل مع الفقراء من مكان إلى مكان وكان قـد أرسلـت أم الناصـر بعـض غلمانهـا إلـى مكة حرسها الله تعالى في موسم الحاج ليأتيها بأخبار مصـر والشـام فوجـد غلمانهـا سليمـان المذكـور فأحضـروه إلـى اليمـن فاستحضرته أم الناصر وخلعت عليه وملكته اليمن فملأ اليمن ظلماً وجوراً وأطرح زوجته التي ملكته البلاد وأعرض عنها وكتب إلى السلطان الملك العادل وهو عم جده كتاباً جعل في أوله أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم فاستقل الملك العادل عقله ثم كان من سليمان المذكور ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي هذه السنة أرسل السلطان الملك العادل إلى ولده الملك الأشرف وأمره بحصار ماردين فحصرهـا وضايقهـا ثـم سعـى الملـك الظاهر إلى الملك العادل في الصلح فأجاب إلى أن يحمل إليه صاحب مارديـن مائـة ألـف وخمسيـن ألـف دينـار ويخطـب لـه ببلـاده ويضـرب السكـة باسمـه وفيها أخرج الملك العادل الملك المنصور محمد بن العزيز من مصر إلى الشـام فسـار بوالدتـه وإخوته وأقام بحلب عند عمه الملك الظاهر‏.‏

وفيها سار الملـك المنصـور صاحـب حمـاة إلـى بعريـن مرابطـاً للفرنـج وأقـام بهـا وكتـب الملـك العادل إلى صاحب بعلبك وإلى صاحب حمص بإنجاده فأنجده واجتمعت الفرنج من حصـن الأكراد وطرابلس وغيرها وقصدوا الملك المنصور ببعرين واتقعوا معه في ثالث شهر رمضان من هذه السنة واقتتلوا فانهزم الفرنج وقتل وأسر من خيالتهم جماعة وكان يوماً مشهوداً وفي ذلك يقول بهاء الدين أسعد بن يحيى السنجاري قصيدة من جملتها‏:‏ ما لذة العيش إلا صوت معمعة ينال فيها المنى بالبيض والأسل يا أيها الملك المنصور نصح فتى لـم يلـوه عـن وفـاء كثـرة العـذل أعزم ولا تترك الدنيا بـلا ملـك وجد فالملك محتاج إلى رجـل يا أوحد العصر يا خير الملوك ومن فاق البريـة مـن حـاف ومنتعـل ثم خرج من حصن الأكراد والمرقب الإسبتار وانضم إليهم جموع سن السواحـل واتقعـوا مـع الملك المنصور صاحب حماة وهو نازل ببعرين في الحادي والعشرين من شهر رمضان من هذه السنة بعد الوقعة الأولى بثمانية عشر يوماً فانتصر ثانياً وانهزمت الفرنج هزيمة شنيعة وأسر الملـك المنصور وقتل منهم عدة كثيرة ومدح المالك المنصور بسبب هذه الوقعة سالم بن سعادة الحمصي بقصيدة منها‏:‏ أمر اللواحـظ أن تفـوق أسهمـاً ريم برامـة مـا رنـا حتـى رمـا فتنـة بالسحر بل فتاكة ما جار قاضيهن حين تحكمـا ومنها‏:‏ أصبحت فيها مغرماً كمحمـد لما غدا بالأريحيـة مغرمـا ومنها‏:‏ وشننت منتقماً بساحل بحرها جيشاً حكى البحر الخضم عرمرما أسدلت في الآفاق مـن هبواتـه ليلاً وأطلعت الأسنة أنجما وفي هذه السنة ولد الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور محمد صاحب حماة من ملكـة خاتون بنت السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب وسمي عمر وإنما سمي محموداً بعد ذلك وكانت ولادته بقلعة حماة ظهر يوم الثلاثاء رابع عشر رمضان من هذه السنة‏.‏

وفي هذه السنة أرسل الملك العادل وانتزع ما كان بيد الملك الأفضل وهي رأس عين وسروج وقلعـة نجـم ولـم يتـرك بيده غير سميساط فقط فأرسل الملك الأفضل والدته فدخلت على الملك المنصور صاحب حماة ليرسل معها من يشفع في الملك الأفضل عند الملك العادل في إبقاء ما كان بيده وتوجهت أم الملك الأفضل وتوجه معها من حماة القاضي زين الدين ابن الهندي إلى الملك العادل فلم يجبها الملك العادل ورجعت خائبة قال عز الدين ابن الأثيـر مؤلـف الكامـل وقـد عوقب البيت الصلاحي بمثل ما فعله والدهم السلطان صلاح الدين لما خرجت إليه نساء بيت الأتابك ومن جملتهن بنت نور الدين الشهيد يشفعن في إبقاء الموصل على عـز الديـن مسعـود فردهـن ولـم يجـب إلـى سؤالهـن ثـم نـدم رحمه الله تعالى على ردهن فجرى للملك الأفضل بـن السلطان صلاح الدين مع عمه مثل ذلك ولما جرى ذلك قام الملك الأفضل بسميساط وقطع خطبة عمه الملك العادل وخطب للسلطان ركن الدين سليمان بن قليج أرسلان بن مسعود السلجوقي صاحب بلاد الروم‏.‏

  ذكر وفاة غياث الدين ملك الغورية

وفـي هـذه السنـة فـي جمـادى الأولـى توفـي غيـاث الديـن أبـو الفتـح محمـد بـن سام بن الحسين الغوري صاحب غزنة وبعض خراسان وغيرها وكان أخوه شهاب الدين بطوس عازمـاً علـى قصـد خوارزم وخلف غياث الدين من الولد ابناً اسمه محمود ولقب غياث الدين بلقب والده ولم يحسن شهاب الدين الخلافة على ابن أخيه ولا على غيره من أهله وكان لغياث الدين زوجة يحبها وكانت مغنية فقبض عليها شهاب الدين بعد موت أخيه غيـاث الديـن وضربهـا ضربـاً مبرحاً وأخذ أموالها وكان غياث الدين مظفراً منصوراً لم ينهزم له راية قط وكان له دهاء ومكر وكان حسن الاعتقاد كثير الصدقات وكان فيه فضل غزير وأدب مع حسن خط وبلاغة وكان ينسخ المصاحف بخطه ويوقفها في المدارس التي بناها وكان على مذهب الكرامية ثم تركه وصار شافعياً‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ وفي هذه السنة استولى الكرج على مدينة دوين من أذربيجان ونهبوها وقتلوا أهلها وكانت هي وجميع أذربيجان للأمير أبي بكر بن البهلوان وكان مشغولاً ليلاً ونهاراً بشرب الخمر ولا يلتفت إلى تدبير مملكته ووبخه أمراؤه ونوابه على ذلك فلم يلتفت‏.‏

وفيها توفيت زمرد أم الخليفة الإمام الناصر وكانت كثيرة المعروف‏.‏

  ثم دخلت سنة ستمائة

والملك العادل بدمشق وفيها كانت الهدنة بين الملك المنصور صاحب حماة وبين الفرنج‏.‏

وفيها نازل ابن لاوون ملك الأرمن أنطاكية فتحرك الملك الظاهر صاحب حلب ووصل إلى حارم فرحل ابن لاورن عن أنطاكية على عقبه‏.‏

وفيها خطب قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي بـن مـودود صاحـب سنجـار للملـك العادل ببلاده وانتمى إليه فصحب على ابن كمه نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود وقصـد نصيبيـن وهـي لقطـب الديـن واستولـى علـى مدينتهـا فاستنجـد قطـب الديـن بالملك الأشرف ابن العادل فسار إليه واجتمع معه أخوه الملك الأوحد صاحـب ميافارقيـن والتقـى الفريقان بقرية يقال لها بوشرة فانهزم نور الدين أرسلان شـاه صاحـب الموصـل هزيمـة قبيحـة ودخل إلى الموصل وليس معه غير أربعة أنفس وكانت هذه الواقعة أول ما عرفت من سعادة الملـك الأشـرف بـن الملـك العادل فإنه لم ينهزم له راية بعد ذلك واستقرت بلاد قطب الدين محمد بن زنكي عليه ووقع الصلح بينهم في أول سنة إحدى وستمائة‏.‏

وفيها اجتمع الفرنج لقصد بيت المقدس فخرج السلطان الملك العادل من دمشق وجمع العساكر ونزل على الطور في قبالة الفرنـج ودام ذلـك إلـى آخـر السنـة‏.‏

وفيهـا استولـت الفرنـج علـى قسطنطينية وكانت قسطنطينية بيد الروم من قديم الزمان فلما كانت هذه السنة اجتمعت الفرنج وقصدتها في جموع عظيمة وحاصروها فملكوها وأزالوا يد الروم عنها ولم تزل بأيدي الفرنج إلى سنة ستين وستمائة فقصدتها الروم واستعادوها من الفرنج‏.‏

وفيها توفي السلطان ركن الدين سليمان بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطومش بن يبغو أرسلان بن سلجوق سلطان بلاد الروم في سادس ذي القعدة حسبما قدمنا ذكره في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وكان مرضه بالقولنج وكان قبل مرضه بخمسة أيام قد غدر بأخيه صاحب أنكورية وهي أنقرة وكان ركن الدين المذكور يميل إلى مذهب الفلاسفة ويحسن إلى طائفتهم ويقدمهم ولما مات ركن الدين ملك ولده قليج أرسلان ابن سليمان وكان صغيراً فلم يستثبت أمره وكان ما سنذكره إلى شاء الله تعالى‏.‏

وفيها كان بين خوارزم شاه محمد بن تكش وبين شهاب الدين ملك الغورية قتال انتصر فيه ملك الغورية واستنجد خوارزم شاه بالخطا فساروا واتقعوا مع شهاب الدين ملك الغورية‏.‏

فهزموه وشاع ببلاده أن شهاب الدين قتل فاختلفت مملكته وكثر المفسدون ثم إنه ظهر ووصل إلى غزنة واستقر في ملكه وتراجعت الأمور إلى ما كانت عليه‏.‏

وفيها قتـل كلجـا مملـوك البهلـوان وكـان قـد ملـك الـري وهمـدان وبلـاد الجبـل قتلـه خشداشـه أيدغمش مملوك البهلوان وتملك موضعه وأقام أيدغمش ابن أستاذه أزبك بن البهلوان في الملك وليس لأزبك غير الاسم والحكم لأيدغمش‏.‏

وفيهـا استولـى إنسـان اسمـه محمـود بـن محمـد الحميري على طفار ومرباط وغيرهما من حضرموت‏.‏

وفيها خرج أسطول للفرنج فاستولوا على مدينة فوه من الديار المصرية فنهبوها خمسة أيام‏.‏

وفيها كانت زلزلة عظيمة عمت مصر والشام والجزيرة وبلـاد الـروم وصقليـة وقبـرس والعـراق وغيرها وخربت سور مدينة صور‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وستمائة

في هذه السنة كانت الهدنة بين الملك العادل والفرنج وسلم إلى الفرنج يافا ونزل عن مناصفات لد والرملة ولما استقرت الهدنة أعطى العساكر دستوراً وسار الملك العادل إلى مصر وأقام بدار الوزارة‏.‏

وفيها أغارت الفرنج على حماة ووصلوا إلى قرب حماة إلى قرية الرقيطا وامتلأت أيديهم من المكاسب وأسروا من أهل حماة شهاب الدين بن البلاعي وكان فقيهاً شجاعاً تولى بر حماة مرة وسلمية أخرى وحمل إلى طرابلس فهرب وتعلق بجبال بعلبك ووصل إلى أهله بحماة سالماً ثم وقعت الهدنة بين الملك المنصور صاحب حماة وبين الفرنج‏.‏

وفيها بعد الهدنة توجه الملك المنصور صاحب حماة إلـى مصـر وكـان عنـده استشعـار مـن السلطان الملك العادل فلما وصل إليه بالقاهرة أحسـن إليـه إحسانـاً كثيـراً وأقـام فـي خدمتـه شهوراً ثم خلع عليه وعلى أصحابه وعاد إلى حماة‏.‏

وفيها ملك السلطان غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان بلاد الروم وكان لما تغلب أخوه ركن الدين سليمان بن قليج أرسلان على البلاد قد هرب كيخسرو المذكور إلى الملك الظاهر صاحب حلب ثم تركه وسار إلى قسطنطينية فأحسن إليه صاحبها وأقام بالقسطنطينية إلى أن مات أخوه ركن الدين سليمان وتولى ابنه قليج أرسلان فسار كيخسرو من قسطنطينية وأزال أمر ابن أخيه وملك بلاد الروم واستقر أمره‏.‏

وفيهـا كانـت الحـرب بيـن الأميـر قتـادة الحسينـي أميـر مكـة وبيـن الأميـر سالـم بـن قاسم الحسيني أمير المدينة وكانت الحرب بينهما سجالاً‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وستمائة

والملك العادل بالديار المصرية والممالك بحالها‏.‏

  ذكر قتل ملك الغورية شهاب الدين

فـي هـذه السنـة أول ليلـة مـن شعبـان قتـل شهـاب الديـن أبـو المظفـر محمـد بـن سام بن الحسين الغوري ملك غزنة وبعض خراسان بعد عوده من لهاوور بمنزل يقال له دمبل قبل صلاة العشاء وثب عليه جماعة وهو بخركاتـه وقـد تفـرق النـاس عنـه لأماكنهـم فقتلـوه بالسكاكيـن قيـل أنهـم مـن الكوكير وهم طائفة من أهل الجبال مفسدون كان شهاب الدين قد فتك فيهم وقيل أنهم من الإسماعيلية فإن شهاب الدين أيضاً كان كثير الفتك فيهم واجتمع حرس شهاب الدين فقتلوا أولئك الذين قتلوا شهاب الدين عن آخرهم وكان شهاب الدين شجاعاً كثير الغزو عادلاً في الرعيـة وكـان الأمام فخر الدين الرازي يعظه في داره فحضر يوماً ووعظه وقال في آخر كلامه‏:‏ يا سلطان لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرازي فبكى شهاب الديـن حتـى رحمـه النـاس ولمـا قتل شهاب الدين كان صاحب باميان بهاء الدين سام بن شمس الدين محمد بن مسعود عم غياث الدين وشهاب الدين المذكور فسار بهاء الديـن سـام ليتملـك غزنـة ومعـه ولـداه عـلاء الدين محمد وجلال الدين ابنا سام بن محمد ابن مسعود بن الحسيني فأدركت بهاء الدين سام الوفاة قبل أن يصل إلى غزنة وعهد بالملك إلى ابنه علاء الدين محمد فأتم علاء الدين وأخوه جلال الدين السير إلى غزنة ودخلاها وتملكها علاء الدين وكان لغياث الدين ملك الغورية مملوك يقال له تاج الدين يلدز وكانت كرمان إقطاعه وهو كبير في الدولة ومرجع الأتراك إليه فسار يلدز إلى غزنة وهزم عنها علاء الدين محمد بن بهاء الدين سام وأخاه جلال الدين واستولى يلدز على غزنة ثم إن علاء الدين وجلال الدين ولدي بهاء الدين سام سارا إلى باميان وجمعا العساكر وعادا إلى غزنة فقاتلهما يلدز فانتصرا عليه وانهزم يلدز إلى كرمـان واستقـر عـلاء الدين محمد بن بهاء الدين سام ومعه بعض العسكر في ملك غزنة وعاد أخوه جلال الدين في باقي العسكر إلى باميان ثم إن يلدز لما بلغه مسير جلال الدين في باقي العسكر إلى باميان وتأخر علاء الدين بغزنة جمع العساكر من كرمان وغيرها وسار إلى غزنة وبلغ علاء الدين محمد بن بهاء الدين سام ذلك فأرسل إلى أخيه جلال الدين وهو بباميان يستنجده وسار يلدز وحصر علاء الدين بغزنة وسار جلال الدين فلما قارب غزنة رحل يلدز إلـى طريقـه واقتتلا فانهزم عسكر جلال الدين وأخذه يلدز أسيراً فأكرمه يلدز واحترمه وعاد إلى غزنة فحصر علاء الدين بهـا وكـان عنـده بغزنـة هندوخـان بـن ملكشـاه بـن خـوارزم شـاه تكـش فاستنزلهما يلدز بالأمان ثم قبض على علاء الدين وعلى هندوخان وتسلم غزنة وأما غياث الدين محمود بن غياث الدين محمد ملك الغورية فإنه لما قتل عمه شهاب الدين كان ببست فسار إلى فيرزكوه وتملكها وجلس في دست أبيه غياث الدين وتلقب بألقابه وفرح به أهل فيروزكوه وسلك طريقة أبيه في الإحسان والعدل ولما استقل يلدز بغزنة وأسر جلال الدين وعـلاء الديـن ابنـي سام كتب إلى غياث الدين محمود بن غياث الدين محمد بن سام بن الحسين بالفتح وأرسل إليه الأعلام وبعض الأسرى‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ في هذه السنة توفي الأمير مجير الدين طاشتكين أمير الحاج وكان قد ولاه الخليفة على جميع خورستان وكان خيراً صالحاً وكان يتشيع‏.‏

وفيها تزوج أبو بكر بن البهلوان بابنة ملك الكرج وذلك لاشتغاله بالشرب عن تدبير المملكة

  ثم دخلت سنة ثلـاث وستمائـة

في هذه السنة سار الملك العادل من مصر إلى الشام ونازل في طريقـه عكـا فصالحـه أهلهـا علـى إطلـاق جمـع مـن الأسرى ثم وصل إلى دمشق ثم سار منها ونزل بظاهـر حمـص على بحيرة قدس واستدعى العساكر فأتته من كل جهة وأقام على البحيرة حتى خـرج رمضـان ثـم سـار ونـازل حصـن الأكـراد وفتـح بـرج أعنـاز وأخـذ منـه سلاحـاً ومـالاً وخمسمائة رجل ثم سار ونازل طرابلس ونصب عليها المجانيق وعاث العسكـر فـي بلادهـا وقطع قناتها ثم عاد في أواخر ذي الحجة إلى بحيرة قدس بظاهر حمص‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ في هذه السنة أرسل غياث الدين محمود بن غياث الدين محمد ملك الغورية يستميل يلدز مملوك أبيه المستولي على غزنة فلم يجبه يلدز إلى ذلك وطلب يلدز من غياث الدين أن يعتقه فأحضر الشهود وأعتقه وأرسل مع عتاقه هدية عظيمة وكذلك أعتق أيبك المستولي على بلاد الهند وأرسل نحو ذلك فقبل كل منهما ذلك وخطب له أيبك ببلاد الهند التي تحت يده وأما يلدز فلم يخطب له وخرج بعض العساكر عن طاعة يلدز لعدم طاعته لغياث الدين‏.‏

وفيها في ثالث شعبان ملك غياث الدين كيخسرو صاحب بلاد الروم أنطاكية بالأمان وهي وفيها قبض عسكر خلاط على صاحبها ولد بكتمر وكان أتابك قنلغ مملوك شاهرمن فقبض عليه ابن بكتمر فثارت عليه أرباب الدولة وقبضوه وملكوا بلبان مملوك شاهرمن بن سقمان صاحب خلاط حسبما تقدم ذكره في سنه أربع وتسعين وخمسمائة‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وستمائة

والملك العادل نازل على بحيرة قدس ثم وقع الهدنة بينه وبين صاحب طرابلس وعاد الملك العادل إلى دمشق وأقام بها‏.‏

ذكر استيلاء الملك الأوحد نجم الدين أيوب ابن الملك العادل على خلاط‏:‏ في هذه السنة ملك الملك الأوحد أيوب بن الملك العادل خلاط وكان صاحب خلاط بلبان حسبمـا قدمنـا ذكـره في سنة أربع وتسعين وخمسمائة فسار الملك الأوحد من ميافارقين وملك مدينة موش ثم اقتتل هو وبلبان صاحب خلاط فانهزم بلبان واستنجد بصاحب أرزن الروم وهو مغيث الدين طغريل شاه بن قليج أرسلان السلجوقي فسار طغريل شاه واجتمع به بلبان فهزما الملك الأوحد ثم غدر طغريل شاه ببلبان فقتله غدراً ليملك بلاده وقصد خلاط فلم يسلموها إليه وقصد منازكرد فلم تسلم إليه فرجع طغريل شاه إلى بلاده فكاتب أهل خلاط الملك الأوحد فسار إليهم وتسلم خلاط وبلادها بعد إياسه منها واستقر ملكه بها‏.‏

وفي هذه السنة لما استقر الملك العادل بدمشق وصل إليه التشريف من الخليفة الإمام الناصر صحبة الشيخ شهاب الدين السهروردي فبالغ الملك العادل في إكرام الشيخ والتقاه إلى القصير ووصل من صاحبي حلب وحماة ذهب لينثر على الملك العادل إذا لبس الخلعة فلبسها الملك العـادل ونثـر ذلـك الذهـب وكـان يومـاً مشهـوداً‏.‏

والخلعـة جبـة أطلـس أسـود بطـراز مذهـب وعمامة سوداء بطراز مذهب وطوق ذهب مجوهر تطوق به الملك العادل وسيف جميع قرابه ملبس ذهباً تقلد به وحصان أشهب بمركب ذهب ونشر على رأسه علم أسود مكتوب فيه بالبياض اسم الخليفة ثم خلع رسول الخليفة على كل واحد من الملك الأشرف والملك المعظم ابني الملك العادل عمامة سوداء وثوباً أسود واسع الكم وكذلك على الوزير صفي الدين بن شكر وركب الملك العادل وولداه ووزيره بالخلع ودخل القلعة وكذلك وصل إلى الملك العادل مع الخلعة تقليد بالبلاد التي تحت حكمه وخوطب الملك العادل فيـه شاهنشـاه ملـك الملـوك خليـل أمير المؤمنين ثم توجه الشيخ شهاب الدين إلى مصر فخلع على الملك الكامل بها وجرى فيها نظير ما جرى في دمشق من الاحتفال ثم عاد السهروردي إلى بغداد مكرماً معظماً‏.‏

وفي هذه السنة اهتم الملك العادل بعمارة قلعة دمشق وألزم كل واحد من ملوك أهل بيته بعمارة برج من أبراجها‏.‏